ربيع الغفير: هكذا غرس النبي القيم في نفوس الصحابة بأسلوب العصر الذهني

قال الدكتور ربيع الغفير، الأستاذ بكلية الدراسات العربية والإسلامية بجامعة الأزهر، إن النبي محمد ﷺ كان شديد العناية بتربية الصحابة على القيم الحقيقية، مستخدمًا أسلوبًا راقيًا في التعليم والتربية يُعرف اليوم بـ"العصف الذهني" أو "إثارة التساؤل"، حيث كان يطرح أسئلة تثير التفكير وتفتح باب النقاش، ثم يوجه الإجابات لتصحيح المفاهيم وغرس المعاني السليمة في النفوس.

وأوضح الدكتور الغفير، خلال حلقة برنامج "مع الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم الثلاثاء، أن من أبرز الأمثلة على ذلك، ما رواه النبي ﷺ حين سأل الصحابة: "ما تعدون الشديد فيكم؟"، فأجابوا: "الذي لا يغلبه الرجال". فصحح لهم المعنى وقال: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، مبينًا أن القوة الحقيقية تكمن في ضبط النفس لا في غلبة الأجساد.

كما أشار إلى موقف آخر حين قال لهم: "أتدرون من المفلس؟"، فأجاب الصحابة بما هو مألوف في عقولهم: "المفلس من لا درهم له ولا متاع"، فرد النبي ﷺ بأن المفلس الحقيقي هو من يأتي يوم القيامة بحسنات كثيرة، لكنه ظلم الناس بشتمهم وضربهم وأكل أموالهم، فتُؤخذ حسناته وتُعطى للمظلومين، فإن فنيت قبل أن يُقضى ما عليه طُرح عليه من سيئاتهم حتى يُلقى في النار.

وأضاف الدكتور الغفير أن هذا الأسلوب النبوي كان يهدف إلى تقويم المفاهيم وتصحيح التصورات، لا سيما في القضايا التي تبدو واضحة في ظاهرها، لكنها تحمل في باطنها أبعادًا أعمق، مثل مفهوم القوة أو الإفلاس أو الكِبر.

وأكد أن من شدة تأثر الصحابة بهذه الطريقة، أنهم كانوا ينتبهون لكل كلمة، بدليل ما حدث حين سمعوا النبي ﷺ يقول: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر"، فخافوا وسألوا عن دقة المعنى، لأن أحدهم يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً، فطمأنهم النبي ﷺ قائلاً: "إن الله جميل يحب الجمال، الكِبر بَطَر الحق وغمط الناس"، أي رفض الحق واحتقار الناس.

وأكد على أن هذا المنهج النبوي في التربية والتعليم لا يزال صالحًا لكل زمان، داعيًا المربين والمعلمين والدعاة إلى الاقتداء به، لأنه يخاطب العقل والوجدان في آنٍ معًا، ويُخرج الإنسان من المألوف إلى المفهوم الأعمق.