محلل إسرائيلي: "غزة تمسحنا من خريطة العالم"، نبوءة تُطارد إسرائيل بعد عامين من الحرب

في ظل تزايد الأصوات الداخلية المحذّرة من المسار الذي تسلكه إسرائيل في حربها المستمرة على قطاع غزة، بدأ الخطاب الإسرائيلي يشهد تحوّلاً لافتًا من لغة النصر والتفوق إلى نبرة القلق والتشكيك في جدوى الاستمرار. وفي مقدّمة هذه الأصوات، يبرز مقال تحليلي نشره موقع "واللا" للمحلل السياسي الإسرائيلي نير كيفينس، الذي حمّل حكومة بنيامين نتنياهو مسؤولية التدهور السياسي والعسكري الذي تعيشه إسرائيل، محذّراً من أن الدولة باتت على حافة العزلة الدولية والانهيار الداخلي، وسط أزمة ثقة متفاقمة وتراجع غير مسبوق في الروح المعنوية للجيش والمجتمع على حد سواء.

تصريحات متطرفة وواقع معاكس

استهل كيفينس مقاله بمفارقة لافتة قائلاً: "بينما يتحدث الوزير عميحاي إلياهو عن محو غزة وإقامة مدينة يهودية مكانها، فإن الواقع يُظهر أن غزة هي من تزيل إسرائيل عن خارطة العالم". في إشارة إلى الانحدار المتسارع في مكانة إسرائيل الدولية بفعل خطاب التطرف وغياب الرؤية الاستراتيجية.

من الوحدة إلى التمزق الداخلي

وأشار الكاتب إلى أن إسرائيل بدأت الحرب بوحدة داخلية نادرة، قائلاً: "دخلنا الحرب مذهولين من المفاجأة، لكننا كنا موحدين، وقفنا جنباً إلى جنب دون تردد". لكن تلك اللحظة، برأيه، تلاشت سريعًا، لتحلّ محلها حالة من التفكك الداخلي والتراجع الواضح في الاستجابة لأوامر التجنيد. كما نبّه إلى تصاعد ظاهرة التهرّب من الخدمة العسكرية، لا سيما عبر الإعفاءات النفسية والطبية، محذرًا من انتقالها إلى صفوف الجيش النظامي.

أزمة ثقة داخل الجيش

ورغم تقارير الجيش التي تحاول إظهار نسب تجنيد مستقرة، يشير كيفينس إلى وجود اعتراف ضمني بتراجع التزام جنود الاحتياط، معتبرًا أن ذلك يعكس أزمة ثقة أعمق في القيادة، وتآكلاً تدريجيًا في الروح القتالية التي كانت حاضرة بقوة في الأسابيع الأولى للحرب.

محاكمة تاريخية لنتنياهو

وجه الكاتب انتقادات لاذعة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، متسائلًا: "كيف وصلنا إلى هذا الوضع بعد عامين من الحرب؟"، وأضاف: "هذا الواقع وحده كفيل بأن يُحاكم عليه نتنياهو، ليس أمام محكمة عادية، بل أمام محكمة التاريخ". واتهمه برفع شعارات نصر فارغة ونقض وعوده للجمهور، مشيرًا بسخرية إلى أن نتنياهو "حقق نصرًا مطلقًا... لكن على الروح المعنوية للمجتمع الإسرائيلي".

صورة انتصار شكلية ومخاوف من اتفاق مذل

وحذّر كيفينس من أن إسرائيل قد تجد نفسها قريبًا مضطرة إلى القبول بوقف إطلاق نار بشروط أسوأ مما كان ممكنًا قبل عام، لا سيما في ظل التدهور الميداني والتعثر السياسي. وأكد أن الحكومة قد تكتفي بـ"صورة انتصار شكلية" لتسويقها أمام الداخل الإسرائيلي، دون تحقيق أي إنجاز جوهري.

تآكل الدعم الدولي وتحذير من جرائم حرب

سلّط الكاتب الضوء على التراجع الواضح في الدعم الدولي لإسرائيل، لا سيما من الولايات المتحدة، معتبرًا أن الحكومة الإسرائيلية فشلت في استثمار ذلك الدعم لصالح أهداف استراتيجية. كما وجّه تحذيرًا من أن تصريحات بعض الوزراء حول "محو غزة والضفة" تُضعف مكانة إسرائيل عالميًا، وقد تُصنّف ضمن جرائم الحرب، ما يهدد الأسس التي بُنيت عليها النظرية الأمنية الإسرائيلية.

إسرائيل تطلب إنقاذًا من نفسها

وفي خاتمة مقاله، كتب كيفينس: "إسرائيل باتت على وشك أن تستجدي من العالم إنقاذها من نفسها، وتطلب المساعدة من أولئك الذين كانت تتهمهم سابقًا بمعاداة السامية"، في تعبير قاتم عن حجم العزلة التي تواجهها تل أبيب. واختتم قائلاً: "من كان يصدق أننا بعد عامين من القتال، نقف هكذا أمام تنظيم صغير بلا دبابات أو طائرات؟ قد لا نتحدث كثيرًا عن وقف إطلاق النار اليوم، لكننا نحتاجه كما يحتاج الإنسان إلى الهواء".