من العراق إلى إيران: 40 عامًا من تجاهل إسرائيل لقرارات مجلس الأمن

في خضمّ التوتر المتصاعد بين إسرائيل وإيران، يعود إلى الواجهة مجددًا أحد أكثر القرارات الأممية دلالةً في تاريخ الصراعات النووية في الشرق الأوسط، وسط مشاهد تكرّر نفسها بمبررات متشابهة وخطاب عسكري لا يتغير.

فبينما تواصل إسرائيل استهداف منشآت نووية إيرانية تحت غطاء "الضربات الوقائية"، يستحضر المراقبون عملية القصف الشهيرة التي نفذتها تل أبيب ضد العراق عام 1981، وما تبعها من تنديد دولي واسع.

الغارة الإسرائيلية على مفاعل "أوزيراك" العراقي

ففي يونيو 1981، أدان مجلس الأمن الدولي بالإجماع الغارة الإسرائيلية على مفاعل "أوزيراك" العراقي، مُصدرًا القرار رقم 487 الذي دعا إسرائيل إلى "الامتناع عن تكرار مثل هذه الهجمات مستقبلًا". القرار شدد حينها على أن المفاعل العراقي كان خاضعًا لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويُستخدم لأغراض سلمية، ما جعل الهجوم انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي

إسرائيل لا تستطيع كبح التصعيد العسكري

اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود، يتجدد المشهد العسكري ولكن بوجهة مختلفة، في ظل حملة إسرائيلية تستهدف البنية النووية الإيرانية، وتفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات بشأن جدوى القرارات الأممية وقدرتها على كبح التصعيد العسكري، خاصة في ظل غياب المساءلة واستمرار دعم قوى كبرى لبعض أطراف الصراع.

إسرائيل تستهدف منشأت إيران النووية

وعلى مدار الأيام الثمانية الماضية، شنت إسرائيل هجمات على منشأة نطنز النووية وهددت بتوسيع عملياتها لتشمل منشأة "فوردو" المحصنة.

 في المقابل، ردت طهران بوابل من الصواريخ أسفر عن عشرات الإصابات، في تطور خطير يهدد بإشعال مواجهة إقليمية واسعة.

تصعيد يتجاهل تحذيرات أممية

رغم أن صور الأقمار الصناعية أظهرت أن المنشآت الإيرانية لم تتعرض لأضرار كبيرة، إلا أن التصعيد الإسرائيلي يضع المجتمع الدولي أمام اختبار جديد لمدى فاعلية قراراته، وفي مقدمتها القرار 487 الذي حذّر من أن الاعتداء على منشآت خاضعة للتفتيش الدولي يقوّض مصداقية النظام العالمي للضمانات النووية.

تكرار في الخطاب والمبررات

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعاد التمسك بنفس الذرائع التي استخدمتها تل أبيب عام 1981، مبررًا العمليات العسكرية ضد إيران بالقول إنها "إجراءات استباقية لحماية أمن إسرائيل". 

غير أن الموقف الإيراني لم يختلف كثيرًا عن موقف العراق حينها، إذ تؤكد طهران أن برنامجها النووي سلمي بالكامل وتحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

منشآت إسرائيل خارج الرقابة الدولية

ورغم مرور أكثر من أربعين عامًا على القرار 487، لم تلتزم إسرائيل بالبند الذي طالبها بضرورة إخضاع منشآتها النووية للرقابة الدولية. في المقابل، لا تزال تهاجم برامج نووية لدول أخرى رغم خضوعها للتفتيش، في مفارقة وصفها مراقبون بأنها "أوضح صور الازدواجية في المعايير الدولية".

وفي عام 1983، جددت الجمعية العامة للأمم المتحدة مطالبتها إسرائيل بالامتثال لقرار مجلس الأمن، دون أن تحقق هذه المطالب أي تقدم يُذكر.

سجل من التجاهل الدولي

تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن إسرائيل تتصدر قائمة الدول التي تجاهلت قرارات مجلس الأمن، إذ رفضت الالتزام بـ32 قرارًا منذ عام 1968، فيما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ما لا يقل عن 53 مرة لإجهاض مشاريع قرارات تنتقد تل أبيب.

وفي عام 2016 وحده، تبنّت الجمعية العامة 18 قرارًا ضد إسرائيل، إلى جانب سلسلة إدانات من مجلس حقوق الإنسان، ما يكشف عن تراكم في العزلة الدبلوماسية دون أن يترجم ذلك إلى إجراءات ملزمة.

"قرارات لا تُنفّذ"

في وثيقة فلسطينية رسمية قُدمت إلى الأمم المتحدة عام 2024، جاء وصف لافت لطبيعة تعامل إسرائيل مع المؤسسات الدولية، حيث اعتبرت أن "إسرائيل تتعامل مع قرارات مجلس الأمن كما لو أنها لم تصدر، ومع المحكمة الدولية كما لو أنها لم تنطق"، وهو وصف يلخّص مأزق القانون الدولي في مواجهة سياسات القوة.