البحث عن هرانت واستوديو ناصيبيان للافلام

يوضح مدير جمعية النهضة العلمية والثقافية "جزويت القاهرة" ، الباحث و الكاتب سامح سامي، الذي يبحث في العدد 29 من مجلّة الفيلم عن المدينة وسينما الألفية الجديدة.

لكنه أيضًا يبحث عن ستوديو ناصيبيان التاريخي سبب اهتمامه باستوديو ناصيبيان القديم الذي دائمًا يصفه بأنه «العظيم»، والذي يشهد الآن عظمة وبهجة وإبداعًا.

سنة 1937

أقل من مائة عام على تأسيس ستوديو ناصيبيان، لكن يبدو أمر هرانت ناصيبيان نفسه غاية في الصعوبة! فمنذ دخولي لأول مرة أرض مسرح ستوديو ناصيبيان وأنا أبحث كثيرًا عن مؤسسه في معظم كتب تاريخ السينما المصرية، لكني لم أجد إلا سطرًا هنا وسطرًا هناك.

في هذه السنة — 1937 — قرر مصور أرميني تأسيس ستوديو سينمائي في منطقة الفجالة القريبة من رمسيس على مساحة 1300 متر مربع تقريبًا ليكون مكانًا لتصوير داخلي للأفلام وتأسيس معمل للتحميض والطبع ومبنى إداريًّا.

وأتت مبادرة ناصيبيان هذه بعد سنتين من تأسيس أول ستوديو، وهو ستوديو مصر على يد طلعت حرب.

عندما التحقت بدبلوم النقد السينمائي بجامعة عين شمس — وبالمناسبة كانت تجربة مفيدة ومهمة، وأتمنى أن تعود مرة أخرى ليستفيد منها النقاد الجدد — لم أجد ما يُشبع فضولي عن هرانت ناصيبيان.

بحثت كثيرًا في دار الكتب المصرية بمساعدة الزميلة ريم محمد سيد، وكذلك بمساعدة الزميلة نادين يوسف ولم نصل لشيء، ليزداد يقيني بأن دار الكتب المصرية كنز مطموس تحت تراب البيروقراطية الوظيفية، بحجة سد الباب الذي ربما تأتي منه رياح لأي تغيير أو لأية محاولة لفهم تاريخنا العظيم، أو بحجة الخوف من أي تأويلات عن واقعنا المرير.

كانت آخر محاولة لي هي دعوة على «السوشيال ميديا» لمن يستطيع المساعدة. وكانت الاستجابة من الدكتور أرمين مظلوميان رئيس الهيئة الوطنية الأرمينية وسكرتير المجلس الملي للبطريركية الأرمينية في مصر الذي أعطانا كنزًا حقيقيًّا عن هرانت ناصيبيان، خاصة صوره التي ننشرها في هذا العدد.

قال مظلوميان إن ناصيبيان كان من أعيان الأرمن في مصر، وكان رئيس المجلس الملي للأرمن في الخمسينيات، وافتتح العديد من ستوديوهات التصوير الفوتوغرافي مثل: سيني فوتو وفرانيا بوسط البلد. ومنذ سنتين حصلت من طالب بمدرسة السينما على بعض كروت ذلك الاستوديو وبعض من الأفلام الخام «نيجاتيفׅ«.

ويبدو أن تلك الاستوديوهات تم غلقها؛ إذ إن العمارة المذكورة على كروت ستوديو فرانيا الكائنة في شارع 26 يوليو لا يوجد بها أي أثر يدل على ستوديو فرانيا أو غيره.

ومن يتتبع حكاية ناصيبيان يكتشف أن اسمه ارتبط بـ 3 منتجات: الأول هو ستوديو ناصيبيان السينمائي ومعمل التحميض والطبع (وهو الآن مقر جمعية النهضة العلمية والثقافية «جزويت القاهرة»)، الثاني هو ستوديوهات الفوتوغرافيا سيني فوتو وفرانيا بوسط البلد، والثالث هو ورق ناصيبيان وهو «ورق مقوى أو كرتون» بدرجة صلابة معينة ودرجات مختلفة من السماكة تشكل العامل الأهم فى جودته، منه المصرى ومنه المستورد، وظهر هذا الورق كنتيجة على الحائط في مشهد من فيلم «أعز الحبايب» للفنان زكي رستم. وهذا الفيلم من أكثر الأفلام التي توضح شارع المهراني والمبنى الإداري لجمعية النهضة العلمية والثقافية.

وبالعودة إلى الدكتور مظلوميان أكد أن «ليون أوهانيسيان» جده لأمه كان شريكا لهرانت ناصيبيان في الاستوديو، وكان ناصيبيان أيضًا ابن خالة جدة مظلوميان المتزوجة من أوهانيسيان، قائلا: «جدي كمان مع ناصيبيان أصبحوا أغنياء لكن عبد الناصر أممهم وجدي كان يبيع سجائر مع الملياردير أوناسيس على رصيف الميناء بعد ما جه من المذابح».
 

سنة 1996

في تلك السنة اشترت الرهبنة اليسوعية ستوديو ناصيبيان وأنقذته من الخراب عبر لمسة لطيفة من السماء، فتحول ستوديو ناصيبيان من مكان مهجور إلى نقطة نور نابضة بالحياة والإبداع.

وهنا أود أن أشكر رهبانية الآباء اليسوعيين على دعم هذا العدد من مجلة الفيلم. كما أود أن أشكر كل زملائي المشاركين في هذا العدد خاصة أمنية عادل وأحمد عبد الباقي على دعمهم لصدور هذا العدد، وللفنان المبدع الأستاذ أحمد اللباد على إهدائه غلاف العدد».  ووفقاً للعقد الموثق الذي حصلت على نسخة منه اشترت الرهبنة اليسوعية ستوديو ناصيبيان عام 1996 ومكتوب العقار رقم 11 شارع لينان باشا والعقار رقم 13 شارع المهراني المكلف باسم الخواجة هرانت ناصيبيان من السيدة عبلة عبد المجيد لبيب «ربة منزل». ومن رهبانية الآباء اليسوعيين وقع على العقد الأب هنري بولاد اليسوعي. وحسب وصف العقد مذكور فقد تضمن شراء مبانٍ مهدمة من دورين وأرض فضاء وتفاصيل أخرى كثيرة في العقد الذي سيصبح وثيقة تاريخية لكن أرجو ألا تذهب إلى دار الكتب والوثائق القومية يوما ما.

وبمناسبة صعوبة التأكد من أية معلومة، كنت أعلم أن الرهبنة اليسوعية تبرعت لوزارة الثقافة بمعدات من الاستوديو القديم، وحاولت أن أصل لأية معلومة أو طريقة لمعرفة أي شيء ولم أتمكن للأسف.
 

سنة 1998 وسنوات أخرى

في تلك السنة تأسست جمعية النهضة العلمية والثقافية — جزويت القاهرة، وخصصت الرهبنة اليسوعية المبنى الإدارى لاستوديو ناصيبيان ليكون مقرًّا لأنشطة الجمعية، وفي عام 2005 تأسس مسرح ستوديو ناصيبيان ليحقق مجدًا عظيمًا في الحياة الثقافية المصرية إلا أنه تعرض في سنة 2021 لحريق هائل قضى عليه تمامًا، قضى على المسرح وليس ستوديو ناصيبيان التاريخي الذي توقف نشاطه السينمائي في أوائل الثمانينيات وتحول لمقلب قمامة ولولا شراء الرهبنة اليسوعية له لكان منسيًا أو متهدمًا.

وكمبنى تاريخي وكذاكرة ثقافية سينمائية تحاول الآن جمعية النهضة الحفاظ عليها وتذكير الناس بعظمة هذا الاستوديو.
 

سنة 2037

كتبت من قبل في العدد التذكاري لمجلة الفيلم منذ 5 سنوات مقالًا أشبه بالحلم: «إنه في القاهرة بعد 50 سنة في مايو 2070، ربما تجد شارع المهراني مزدحمًا من تدفق جمهور يأتي لمشاهدة مسرحية جديدة، تُعرض على مسرح ستوديو ناصيبيان التاريخي، الذي أتمنى متوقعًا أن يسع 600 مقعد — في بدايته أوائل الألفية كان عدد مقاعده يستوعب 150 متفرجًا — وربما تجد أيضًا مبنى ضخمًا بجوار ستوديو ناصيبيان مكتوبًا عليه مقر جمعية النهضة ومدارسها الفنية في السينما والمسرح والرسوم المتحركة والموسيقى والفن التشكيلي والكتابة الصحفية والإبداعية، فضلًا عن إشارة لمكاتب تخص مجلة الفيلم ومجلة متخصصة في المسرح وأخرى في الموسيقى.

في 2037 سيكون ستوديو ناصيبيان مر على تأسيسه مائة عام وجمعية النهضة سيكون عمرها تقريبًا 40 عامًا، وأتصور أنه إذا كانت الجمعية قائمة وبها نفس الروح الحالية فسوف تحتفل احتفالًا عظيما بستوديو ناصيبيان، متمنيًا أن تحقق الجمعية مشروع الجهاز القومي للتنسيق الحضاري الذي اقترح تحويل شارع المهراني إلى متحف ثقافي وفني لخدمة الشباب والإبداع، وأن يتحول اسم الشارع إلى شارع (مسرح ستوديو ناصيبيان).

لماذا الاهتمام بستوديو ناصيبيان القديم؟

يُعد ستوديو ناصيبيان علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية، حيث شهد إنتاج العديد من الأفلام التي لا تزال تحظى بشعبية حتى اليوم. وربما توضح مشاهد هدم المقابر المتكررة حسرة المصريين على ضياع جزء من تاريخهم الذي بالضرورة يقتطع جزءًا كبيرًا من مستقبلهم.

تلك المشاهد تجعلك تدرك لماذا نهتم بقطعة صغيرة من تاريخ السينما المصرية؛ لذا فإنني وبعض زملائي في النهضة — جزويت القاهرة — نقدس «الحيطة القديمة» لاستوديو ناصيبيان رغم أنها لسه مكملتش 100 سنة لكن بنقدر جدًا عظمة هذا الاستوديو والأفلام اللي ظهرت فيه، مع إدراك أن ستوديو السينما انتهى أمره في أوائل الثمانينيات، وأن عظمة المكان تدور فقط حول المسرح الذي اتخذ من ستوديو ناصيبيان فقط الاسم و«الحيطة القديمة» وجزءًا من أرض الاستوديو القديم، وتدور حول أنشطة النهضة سواء في مدارسها الفنية أو أنشطتها الثقافية ودورها الفاعل والمؤثر في الحياة الثقافية المصرية.