الشيخ خالد حسن يكتب: دعوة لنبذ الخلافات الزوجية وتفكك الأسر
السبت، 11 أكتوبر 2025 08:07 م
الشيخ خالد حسن
لقد اهتم الإسلام بالحياة الزوجية اهتماما بليغًا ، حيث جعل العقد بين الزوجين ميثاقًا غليظًا ، وهذا ما يوضحه قوله تعالى في القرآن الكريم يخاطب به كلا الزوجين فقالَ تعالَى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (النساء: 21)، أي : عهداً وثيقاً مؤكداً مزيدَ تأكيدٍ، يعسرُ معَهُ نقضُهُ، كالثوبِ الغليظِ يعسرُ شقُّهُ. وقالَ الزمخشريُّ: الميثاقُ الغليظُ حقُّ الصحبةِ والمضاجعةِ.
ووصفَهُ بالغلظِ لقوتِهِ وعظمِهِ “. وقد يظن أحدٌ أنه إذا وقع الطلاق بين الزوجين فإن كلًّا من الزوجين قد يشعر بالاطمئنان والسكينة وقد يتمسك كل منهما بمفهومه الخاطئ لعموم قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ (النِّسَاء: 130). فَهْمٌ خَاطِئٌ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَهُ آثَارُهُ الْمُدَمِّرَةُ لِلْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، فَهُوَ مُشْكِلَةٌ أُسْرِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، بِسَبَبِهَا تَفَرَّقَتِ الْأُسَرُ، وَتَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، وَضَاعَتِ الذُّرِّيَّةُ وَتَأَخَّرُوا فِي التَّعْلِيمِ وَالدِّرَاسَةِ، وَقُطِعَتِ الْأَرْحَامُ وَالصِّلَاتُ، وَكَثُرَتِ الْآثَامُ، وَانْعَدَمَتِ الرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَانْتَشَرَتِ الْجَرَائِمُ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَكَثُرَتِ الْأَمْرَاضُ النَّفْسِيَّةُ عِنْدَ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَتَزَعْزَعَ الْأَمْنُ وَالِاسْتِقْرَارُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَخَاطِرِ وَالْآثَارِ السَّيِّئَةِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ.
بل ويجعل من ذلك سبيلًا لدخول الشيطان بين الزوجين،لِهَذَا فَإِنَّ إِبْلِيسَ يَبْعَثُ جُنُودَهُ فِي الْأَرْضِ، وَيَجْعَلُ الْجُنْدِيَّ الْبَارِعَ – الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَهَدَمَ الْأُسْرَةَ – أَقْرَبَهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً. فَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ». قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: «فَيَلْتَزِمُهُ» (مسلم). فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَنَبَّهَ لِذَلِكَ، وَأَنْ نَتَذَكَّرَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾. وَقَوْلَ الرَّسُولِ ﷺ: «لَا يَفْرَكْ [أَيْ لَا يُبْغِضْ] مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» لأجل ذلك نودّ أن نقدم نصيحة لكلا الزوجين لعل الله ينفعهما بها ..
نصيحة للزوج
أيُّها الزوجُ، يا مَن تريدُ طلاقَ زوجَتِكِ، كيفُ هي حياتُكَ بعدَهَا؟ وكيف سيكونُ أبناؤُكَ وبناتُكَ؟ وإلى أيِّ مآلٍ ستتجهُ حياتُكَ واهتماماتُكَ؟ فاللهَ اللهَ في الحكمةِ والصبر، والتدرجِ في معالجةِ الأمورِ، وجَرِّبِ النُّصْحَ لِزَوْجِكَ، وامتثلْ قولَهُ تعالى: { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا }.(النساء: ) وَحَاوِلِ الصُّلْحَ بِحَكَمٍ مِنْ أَهْلِهَا وَحَكَمٍ مِنْ أَهْلِكَ. { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا }.(النساء: ). وكنْ لزوجِكَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ” خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي”
نصيحة للزوجة
أيّتُها الزوجةُ، يا مَن تريدينَ الطلاقَ، استشعرِي ما هو حالُكِ بعدَ أنْ تفقدِي نعمةَ الزوجِ، سيئولُ للعنوسةِ والوحدةِ والانطواءِ، وحملِ لقبٍ منبوذٍ في المجتمعِ (مطلقة)، وقد لا يقدرُ اللهُ لكِ زواجًا آخرَ، واصبرِي على علّاتِ زوجِكِ، واحتسبِي الأجرَ على ذلك، وانظرِي إلى مواطنِ الإيجابيةِ فيه، واعلمِي أنّ طاعتكِ لزوجكِ وخدمتكِ لأولادكِ طريقٌ إلى الجنة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خُمُسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ» والحذر كل الحذر أنْ تطلُبِي منهُ الطلاقَ من غيرِ سببٍ واضحٍ، فذلك ذنبٌ عظيمٌ وعقوبتُهُ عظيمةٌ. فعَنْ ثَوْبَانَ رضي اللهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاَقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ “
فعليكُم التحملَ والصبرَ والرضا، أجملَ أنْ يعيشَ الزوجانِ في عشِّ الزوجيةِ تحتَ ظلالِ الحبِّ والسكنِ والمودةِ والرحمةِ، يقولُ أبو الدرداءِ -رضي اللهُ عنه- لزوجتِهِ أمِّ الدرداء: ” إذا رأيتنِي غاضبًا فرضِّينِي، وإذا رأيتُكِ غضبَى رضَّيتُكِ. وإلّا لم نصطحبْ”.
اللهم اصرف عنا كيد الشيطان وأعوانه من الإنس والجن، واهد نساءنا وشبابنا ، وانفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا..
نسخ الرابط للمقال
آخبار تهمك
التوكل على الله، مفتاح الرضا والنجاح في الدنيا والآخرة
04 مارس 2025 12:41 ص
الأكثر قراءة
-
وكيل وزارة التربية السابق: التعليم هو المشروع القومي الأكبر لمستقبل مصر
-
الشيخ خالد حسن يكتب.. لا تغلوا في دينكم .. وعليكم بالوسطية
-
الحركة الوطنية: تصريحات رئيس الوزراء تضع التعليم والصحة وحياة كريمة على رأس أولويات الحكومة
-
بعد الإشادات الدولية المتتالية..النائب أحمد صبور: المتحف المصري الكبير ركيزة أساسية في استراتيجية الدولة لتطوير قطاع السياحة الثقافية
-
علاء الحديوي: المشاركة في الانتخابات واجب وطني على كل مصري حريص على بناء مستقبل أفضل
من تتوقع أن يفوز ببطولة السوبر المصري؟
-
الأهلي
-
الزمالك
أكثر الكلمات انتشاراً